الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  




السؤال الثامن

كيف لنا أن نختصر الطريق الطويل للبحث والاكتشاف العلمي باستخدام علوم أهل البيت "عليهم السلام" لمعرفة جسد الإنسان وطريقة التعامل معه؟ حصولاً على نتيجة أسرع وأدق بأقل قدر من الأخطاء.

* أوليس بالجدير أن يؤخذ العلم من أهله؟ ما تعليقكم على هذا الأمر؟ وهل الروايات الواردة عن أهل البيت "عليهم السلام" كافية في هذا المجال؟

* أوليس من الظلم لأهل البيت "عليهم السلام" أن يقال: بعد تجارب عدة أجريت بخصوص الأمر الكذائي وصلنا إلى أنّ الرواية الفلانية صحيحة بدلاً من أن يبدأ البحث في الرواية لمعرفة بواطنها وظواهرها ومن خلال ذلك تستنبط الفروع؟

* والآن هناك من يقر بأنّ أوّل من طرح علاج الرهاب أو الفوبيا هو أمير المؤمنين "عليه السلام" من خلال قوله: (إذا هبت أمراً فقع فيه...).

جواب السؤال الثامن

هذا السؤال على طوله يُمكن أن نجمعه في شقين:

الشق الأوّل:

هل بالإمكان الاعتماد على ما ورد عن أهل البيت "عليهم السلام" في علم الطب كمرجع أساسي ووحيد بعيداً عن عِلم الطبّ الحديث واكتشافاته؟

والجواب:

أنّه لا يُمكن الاعتماد على ما ورد عن أهل البيت "عليهم السلام" في علم الطبَّ اعتماداً كليّاً مستقلاً وذلك لثلاثة أسباب رئيسية:

السبب الأوّل:

لقد ذهب وضاع الكثير مِن أحاديث أهل البيت "عليهم السلام" لأسباب عدّة ومِن أهمها أنّ الانتماء إلى أهل البيت "عليهم السلام" قد عُدّ - في أغلب العصور - جريمة تستحق القتل، وكان الشيعي يُحاول أن يُخفي ما بيده مِن حديث أهل البيت "عليهم السلام"، كما أنّ أعداءهم حرصوا على دثر ومحو كلّ ما يمُتّ إلى أهل البيت "عليهم السلام" بصلة.

والنتيجة هي ضياع الكثير بسبب خوف الشيعة مِن ناحية وطمس الآثار مِن قبل أعدائهم مِن ناحية ثانية، مما قد يُسبب عدم تكامل ما بأيدينا مِن المعارف الطبية وغيرها.

السبب الثاني:

هناك آفات للحديث منها نسيان الراوي تارة وعدم وثاقته تارة أخرى مما قد يسبّب عدم حصول اليقين بأنّ بعض ما وصل إلينا أنّه مِن كلامهم "عليهم السلام" أم لا؟

فإن كان الأمر يتعلّق بالأحكام الخمسة – الوجوب والحرمة والإستحباب والكراهة والإباحة – أو كان موضوعاً لتلك الأحكام الخمسة فقد وجدت ضوابط مِن قبل أهل البيت "عليهم السلام" للتعبّد بالنصوص الظنيّة، لا الحكم بكونها أحكام واقعية أم لا.

أمّا إذا كانت تتعلّق بالعلوم فيؤخذ بها مادامت ظنيّة إلاّ إذا حصل القطع بخلافها، فحينئذ العمل على طبق القطع، لأنّ العقل حاكم بترجيح القطع على الظن.

السبب الثالث:

إنّ أهل البيت "عليهم السلام" أقروا فعل أطباء عصرهم وأيدوهم وأمضوا أفعالهم، مما يدلّك أنّ أهل البيت "عليهم السلام" كان لهم الدور في الترشيد والتكميل لما عند الناس مِن علم.

والشواهد على إقرارهم كثيرة ومنها قبولهم بدخول الطبيب على أمير المؤمنين "عليه السلام" بعد تلك الضربة المشئومة على رأسه الشريف.

ومن ذلك أيضاً ما روي عن إسماعيل بن الحسن المتطبب قال: (قلت لأبي عبد الله "عليه السلام": إنّي رجل من العرب ولي بالطب بصر، وطبي طبّ عربي ولست آخذ عليه صفداً(77).

فقال: لا بأس.

قلت: إنّا نبط(78) الجرح ونكوي بالنار؟

قال: لا بأس.

قلت: ونسقي هذه السموم الأسمحيقون، والغاريقون(79).

قال: لا بأس.

قلت: إنّه ربّما مات؟

قال: وإن مات)(80).

وغير هذه الروايات الكثيرة تدلّ على إقرارهم "عليهم السلام لعلم الطب، وما هم إلاّ مُصحح ومُتمم ومُكمِّل لما عند الناس مِن علوم سواء كان علم الطب أم غيره.

مِن هذه الأسباب الثلاثة نقول أنّه لابُدّ مِن النظر إلى الروايات كمصحح ومُكمِّل لما عند الناس مِن علم الطب، وكلّ ما يعرفه الإنسان مِن اكتشافات إنّما هو بتعليم الله تعالى الذي جعل لكلِّ داء دواء، وهدى الإنسان إلى اكتشاف الداء والدواء، قال تعالى: {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}(81).

وهنا أجد لزاماً عليّ أن أُأكِّد على ضرورة الإستقاء مِن التراث الطبي لأهل البيت "عليهم السلام"، والبحث الدءوب في كلماتهم مِن أجل الوصول إلى أفضل النتائج وأسرعها وأقربها إلى الواقع والحق، فالذي يبحث عن اكتشاف في مخبر فليبحث أيضاً في كلمات أهل البيت "عليهم السلام" فإنّها كنوز لم تُفتح بعد.

الشقّ الثاني:

هل الرواية تُصحح علم الطب أم أنّ علم الطب هو الذي يُصحح الرواية عن الشارع المُقدّس؟

الجواب:

ما وصل إلينا مِن قبل الشارع المقدّس إذا كان مقطوع الدلالة والصدور مِن المعصوم لا يجوز ردّه والراد عليه مُكذِّب لله ولرسوله وأوليائه، وهو على حدّ الشرك بالله تعالى.

وإذا كان ما وصل إلينا مظنوناً وكان مُخالفاً لما هو المقصوع مِن علم الطبِّ أو غيره فالعقل يحكم بترجيح القطع على الظن، ويكون القطع هنا قرينة موجبة لتوجيه الرواية على طبقه إن أمكن ذلك.

وكلّ ما ورد عن أهل البيت "عليهم السلام" لا يجوز ردّه والاستهانة به وإن كان سنده ضعيفاً، فضعف السند لا يعني أنّه لم يصدر عن أهل البيت "عليهم السلام".

ويجب الانتباه إلى ذلك لخطورته فلقد وردت الروايات المُحذّرة عن ردّ كلامهم وإن كان وصل إلينا بسند ضعيف، ومن تلك الروايات:

الرواية الصحيحة في بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار باب في من لا يعرف الحديث فرده ص 557:

عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر"عليه السلام" قال: سمعته يقول: (أما والله إنّ أحبّ أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم بحديثنا، وإنّ أسوأهم عندي حالاً وامقتهم إليّ، الذي إذا سمع الحديث يُنسب إلينا، ويُروى عنّا فلم يعقله ولم يقبله قلبه اشمأز منه وجحده وكفر بمن دان به، وهو لا يدرى لعلّ الحديث من عندنا خرج، وإلينا أسند، فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا)(82).

ومنها ما عن أبي بصير، عن أبي جعفر"عليه السلام" أو عن أبي عبد الله"عليه السلام" قال: (لا تكذِّبوا بحديث أتاكم به أحد، فإنّكم لا تدرون لعلّه من الحق فتكذِّبوا الله فوق عرشه).

ومَن أراد الاستزادة فعليه بكتاب رسالة في الخبر الضعيف فإنّها اشتملت على فوائده وموقفنا الشرعي منه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير نبينا وسيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.


(77) صفداً : عوضاً.

(78) البط: شق الدمّل والخراج ونحوهما.

(79) الأسمحيقون: نوع من الأدوية يتداوى به. وقال المجلسي (قدس سرّه): الاسمحيقون: لم نجده في كتب الطب واللغة، والذي وجدته في كتب الطب هو اسطمحيقون؛ وهو حبّ مسهّل للسوداء والبلغم، ولعلّ ما في النسخ تصحيف هذا (مرآة العقول ج26 ص93 ). وغاريقون أو أغاريقون: أصل نبات أو شيء يتكون في الأشجار المسوسة ترياق للسموم، مفتح مسهل للخلط الكدر مفرح صالح للنساء والمفاصل، ومن عُلق عليه لا يلسعه العقرب (القاموس المحيط ج3 ص271).

(80) الكافي ج6 ص52.

(81) سورة العلق الآية (5).

(82) ووردت أيضاً في مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي ص 98. وفي مستطرفات السرائر لابن إدريس الحلي ص 591. والوسائل، الباب 8 من ابواب صفات القاضي، ح 39.
Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com