الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  




 

سؤال

تفضلتم بأنّ " الطب يعالج الروح والجسد " أو النفس والبدن لعلّ هناك فرقاً بين هذه المصطلحات ما هو؟

وعلى أيٍّ منهما يجب أن يتعامل الطبيب مع مريضه وكيف يوفق الطبيب بينهما, كما كان الأطباء السابقين؟ حيث نجد الآن إنّ الطبيب إمّا أن يعالج الجسد أو يعالج الروح " النفس"؟

جواب السؤال  :

هذا السؤال يتضمّن السؤال عن أربعة أمور وهي:

الأمر الأوّل: هل هناك فرق بين الروح والنفس؟

الأمر الثاني: هل هناك فرق بين الجسد والبدن؟

الأمر الثالث: الطبيب يتعامل مع أيِّ واحد مِن النفس والروح والجسد والبدن؟

الأمر الرابع: هل يُمكن للطبيب أن يجمع بين علاج الجسد والنفس؟

وللإجابة نتناول كلّ أمرٍ على حدة:

الأمر الأوّل: هل هناك فرق بين الروح والنفس؟

نعم هناك فرق بين معنى الروح والنفس وإن كان قد يُطلق ويُستعمل أحدهما بدل الآخر، وهما يُشيران إلى حقيقة واحدة وهي الجزء الغير مادّي مِن الإنسان الذي لا يُرى بالبصر ويُسمّى الروح والنفس والنفس الناطقة والقلب.

وإنّما يسمّى نفساً من حيث أنّه محلاً للفضائل والرذائل، ويسمّى نفساً ناطقة من حيث قوّة التفكير، ويسمّى روحاً من حيث أنّه قوام حياة الإنسان، ويسمّى قلباً لتقلبه في الخواطر.

وقد تستعمل هذه الألفاظ في معان أخرى تعرف بالقرائن.

والقرآن الكريم قد أطلق القلب على النفس والقوّة العاقلة، كما في قوله تعالى:

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}(5)

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}(6)

وإنّما يفقه الإنسان بعقله، فطبع على عقولهم فهم لا يعرفون.

{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(7)

وهنا يحصل الاطمئنان في النفس بذكر الله تعالى.

وللعلماء كلام طويل واختلاف في تحديد هذه المصطلحات وما ذكرناه هو الخلاصة التي تركن إليها النفس.

الأمر الثاني: هل هناك فرق بين الجسد والبدن؟

المشهور بين العلماء أنّ الجسد والبدن بمعنى واحد، فهما من الألفاظ المترادفة، وعليه تجري استعمالات العلماء.

ولكنّ الكلام في تحديد معناهما، والذي عليه المحققون مِن العلماء أنّ الجسد أو البدن هو: الجسم الذي لا روح فيه.

والجسم أعم مطلقاً من الجسد والبدن، والمراد مِن الجسم هو: ذو الأبعاد الثلاثة مِن الطول والعرض والعمق، سواء كان فيه حياة أم لا.

وإذا أردنا أنْ نُطلّ على استعمالات القرآن الكريم لهذه المفردات فنجد أنّ الله تعالى قد استعمل البدن في الجسم الذي لا حياة فيه، فقال تعالى في أمر فرعون:

{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}(8) 

ففرعون قد نُجّي بدنه الميِّت فقط ليكون آية للناس مِن بعده لعلّهم يتّعظون.

كما استعمل الجسد في القرآن الكريم أيضاً بمعنى الجسم الذي لا حياة فيه ومنه قوله تعالى:

{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} (9)

الآية المباركة تتحدّث عن حال الأنبياء ^ وأنّ الله تعالى لم يبعثهم أمواتاً لا حياة لهم فلا يفعلون فعل مظاهر الحياة البشرية مِن الأكل والشرب، ولا أنّ الله تعالى جعلهم مِن الخالدين في دار الدنيا.

والتعبير هنا بالجسد في مقام سلب الحياة يدلّ على أنّ الجسد هنا استعمل في الجسم الذي لا حياة فيه.

وأمّا في مقام التعبير عن جسم الإنسان مع مُلاحظة حياته فاستعمل لفظ الجسم، ومنه قوله تعالى:

{...إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (10)

فهنا عندما كان الحديث عن البسطة في الجسم ناسب التعبير بالجسم دون البدن والجسد مِن أجل أن لا يَسلب الحياة عن الجسم مَع كونه في مقام بيان التفضّل بالبسطة فيه.

الأمر الثالث: الطبيب يتعامل مع أيِّ واحد مِن النفس والروح والجسد والبدن؟

ما هو معلوم أنّ الطبيب بحسب اختصاصاته، فيتعامل تارة مع جسم المريض مِن حيث وجود الحياة فيه وليس مع الجسد أوالبدن الذي لا حياة فيه، وتارة يتعامل مَع النفس باعتباره طبيباً نفسياً، ولكن على الطبيب المؤمن - إذا أراد أن يتعامل مع جسم المريض - أن لا يتعامل معه على أنّه جسد لا روح فيه بل يتعامل معه باعتباره جسم فيه الحياة ولذلك عليه مراعاة عدم إلحاق الألم بالمريض مِن دون حاجة إلى ذلك.

كما أنّ الطبيب عليه أن يُراعي شعور وإحساس المريض مِن حيث كونه صاحب نفس، وقد تكون الكلمة مِن الطبيب لها الأثر البالغ فترفع جُلّ المرض منه، أو تُخفِّف عنه آلآمه.

وعليه الاهتمام بتشخيص الداء والإجتهاد في تحديد ومعرفة الدواء، ولا يجعل هذا الإنسان المؤمن حقلاً لتجاربه، فإنّ المرض إذا لَم يُشخّص بصورة صحيحة فالدواء يكون محض ضرر لا نفع فيه.

فروي عن الإمام زين العابدين "ع": "مَن لم يُعرف داؤه أفسده دواؤه"

كما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "ع": "مَن تطبب فليتق الله ولينصح وليجتهد".

الأمر الرابع: هل يُمكن للطبيب أن يجمع بين علاج الجسد والنفس؟

نعم يُمكن للطبيب أن يجمع بين علاج الجسم وعلاج النفس، ولكنّه يصعب جدّاً حيث أنّ الاختصاصات واختصاصات الاختصاصات المتعلقة بجسم الإنسان كثيرة جدّاً، فلو أراد أن يتخصص فيها لانقضى عمره القصير ولم ينته مِنها.

ولقد سبق أن أجبنا عن هذا ببيان أكثر فليُراجع.


(5) : (179) سورة الأعراف

(6) : (3) سورة المنافقون

(7) : (28).سورة الرعد الآية

(8) :(92) سورة يونس
(9) :(8) سورة الأنبياء
(10) : (247) سورة البقرة

Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com