الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  




سؤال

كيف نسخِّر الطبّ لمعرفة الله تعالى حيث يجري التعامل فيه مع أعظم المخلوقات وأكثرها تعقيداً " الإنسان "؟

جواب السؤال :

قال تعالى في مُحكم كتابه وعزيز خطابه:

{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهمْ أَنَّهُ الْحقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(70).

لقد وعد الله تعالى عباده في هذه الآية الكريمة بأن يريهم آياته حتّى يتبيّن أنّ الله تعالى هو الحق وغيره مِما يدّعيه النّاس لغير الله تعالى هو الباطل، فالحقّ أنّ القادر والرازق والحكيم والحيّ والمدبِّر والسميع والبصير هو الله تعالى.

وتطرّقت الآية إلى قسمين عظيمين مِن الآيات، وهي الآيات الآفاقيّة، والآيات الأنفسيّة.

أمّا الآيات الآفاقيّة فهي الآيات التي يراها الإنسان، سواء كانت الموجودات السماويّة والأرضيّة المُحكمة الصُنع كخلق الشمس والقمر والنجوم والنظام الدقيق العجيب الذي يحكمها، وخلق أنواع الحيوانات والنباتات والجبال والبحار وما فيها من عجائب وأسرار لا تعدّ ولا تحصى، وما في عالم الأحياء من عجائب لا تنتهي ولا تنقضي، كما أنّ الآيات الآفاقيّة تشمل الكسوف والخسوف والزلازل والأمطار والفيضانات والسونامي وغيرها.

وأمّا الآيات الأنفسيّة فتشمل عجيب خلق الإنسان وما يطرأ عليه مِن جوع وعطش وشبع وارتواء ومرض وصحّة وغنى وفقر ورضا وغضب وخوف وأمن وغيرها مِن الحالات الطارئة والعارضة على الإنسان.

وكلّ ذلك هو الكتاب التكويني المفتوح لمعرفة الإله الخالق العظيم، بل هي كتب وبحوث في التوحيد ومعرفة الخالق (جلّ وعلا) لأنّها عادة ما ترفع الحجب عن الأسرار العجيبة لتبيِّن قادراً أزليّاً، وحكيماً عليماً، وخالقاً عظيماً.

قال الشاعر:

وفي كل شيء له آية  ...  تدل على أنّه وآحد


.

 


.

وفي التعبير بقوله تعالى (سنريهم) إشارة إلى أنّ الإراءة مُستمرّة والله سُبحانه وتعالى يُعلِّم الإنسان ما لم يعلم حتّى يزداد يقينه بأنّه تعالى هو الحق، صحيح أن هذه الآيات قد عرف الإنسان شيئاً منها إلاّ أنّ هذه العملية والإراءة مستمرة، لأن (سنريهم) فعل مضارع يدل على الاستمرار، والسين للاستقبال، وإذا عاش الإنسان مئات الآلاف من السنين، فسوف تنكشف له في كل زمان علامات وآيات إلهية جديدة، لأن أسرار العالم لا تنتهي.

طريقة الاستدلال

لاشك أنّ الفعل يكشف عن صفة في الفاعل، فإذا وجدنا بناءاً يُشيّد ويتكامل يوماً بعد يوم فإنّنا نقطع بوجود بانٍ لهذا البناء، فكشف فعله عن وجوده، وإذا وجدنا البناء دقيقاً ومُحكماً كشف ذلك عن صفة الدقّة والإحكام في الباني، وإذا كان إنجازه للمشروع سريعاً كشف ذلك عن قدرته وسرعة إنجازه، وهكذا في كلّ عمل نجد الفعل يكشف عن صفة في الفاعل.

فإذا تأمّلنا خلق الله تعالى التي هي أفعاله فلا شكّ أنّها أفعال عظيمة دقيقة جليلة مُحكمة مُتقنة تكشف عن وجود خالقها الحيّ المدبِّر العالم القدير الحكيم.

وهذا الاستدلال على الله تعالى وصفاته بهذه الطريقة يُسمى دليل المليين والمتكلِّمين فيستدلون أوّلاً على حدوث الأجسام والأعراض ثم يستدلون بحدوثها وتغييراتها على وجود الصانع والموجِد لها، ثم يستدلون بالنظر في أحوال المخلوقات على صفاته واحدة واحدة، مثلاً يستدلون بإحكامها وإتقانها على كون صانعها عالماً حكيماً قادراً، وبتخصيص بعض الكائنات بأمر دون بعض على كونه مريداً، وبلطافة خلق بعضها ودقته على كونه لطيفاً، وهكذا.

وهذه الطريقة مِن الاستدلال على وجود الله تعالى وصفاته مثلها طريقة الحكماء الطبيعيين فإنّهم يستدلون بوجود الحركة على محرِّك وبامتناع اتصال الحركات لا إلى أوّل على وجود محرك أوّل غير متحرك وهو المبدأ الأول.

وغيرها مِن طرق الاستدلال على وجود الله تعالى وصفاته.

والآية الكريمة في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أشارت إلى طريقة الصدّيقين في معرفة الله تعالى، وهو ما أشار إليه الإمام أبي عبد الله الحسين "عليه السلام" في دعاء عرفه بقوله:

(كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك!!!

 أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المُظْهِر لك!!!

 متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك!!!

 ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك!!!

 عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا) (71).

وفي دُعاء الإمام زين العابدين "عليه السلام": (بك عرفتك، أنت دللتني عليك، ودعوتني إليك، ولولا أنت لم أدر ما أنت)(72).

وروي عن أبي عبد الله "عليه السلام" أنّه قال: (قال أمير المؤمنين ): (اعرفوا الله بالله... وغيرها مِن كلمات الصدِّيقين )(73).

الآيات الأنفسيّة

إنّ الطبيب عليه أن يقرأ في ذلك الكتاب التكويني المفتوح أمامه وهو الإنسان، ويقرأ فيه فصول التوحيد والعلم والإتقان والحكمة والقدرة، لما يشتمل عليه الإنسان مِن عجائب الصنع ودقائق الخلق، ولو ألقى نظرة متأمِّلاً أي جزء مِن أجزاء الإنسان لوجده لساناً فصيحاً ناطقاً بالإعجاز الإلهي، ولنأخذ مِن باب المثال تشريح الأذن:

(الأذن هو عضو يخدم حاسّتين في وقت واحد: حاسة السمع، وحاسة التوازن الجسمي. وتتكون الأذن من ثلاثة أقسام:

1 - الأذن الخارجية، وتشمل:

 (أ) الصيوان

 (ب) الدهليز الأذني الخارجي

 (ج) طبلة الأذن.

2 - الأذن الوسطى:

 وهي الفجوة التي تفصل بين الأذن الخارجية والأذن الداخلية. وتحتوي على عظام السمع، وتتصل بأعلى البلعوم من الجهة الداخلية السفلى، وبالعظم الحلمي من الجهة الخارجية العليا.

3 - الأذن الخارجية: وهي تتكون من قسمين:

 (أ) الحلزون، وظيفته السمع.

 (ب) القنوات نصف الدائرية، وظيفتها حفظ التوازن.

صيوان الأذن

وهو القسم الخارجي من الأذن، غضروفي التركيب، ومغطى بطبقة من الجلد فائدته جمع التموجات الصوتية وتوجيهها إلى طبلة الأذن.

دهليز الأذن الخارجي

وهو عبارة عن أنبوب ينتهي من الداخل بالطبلة. وهو مبطن بالجلد الذي يحتوي على بصيلات الشعر والغدد الشمعية.

الطبلة

وهي غشاء رقيق يمتد بصورة مائلة على النهاية الداخلية للدهليز الأذني الخارجي وفائدته نقل التموجات الصوتية إلى العظام السمعية ومنها إلى الأذن الداخلية.

الأذن الوسطى

هي عبارة عن صندوق مجوف يقع في العظم الصدغي، تحتوي على عظام السمع وهي ثلاثة:

(أ) عظم المطرقة: ويشبه المطرقة وله نتوئين: أحدهما طويل والآخر قصير.

(ب) عظم السندان: ويشبه سندان الحداد.

(ج‍) عظم الركابي: ويشبه ركاب السرج. فائدة هذه العظام نقل الصوت إلى الأذن الداخلية.

الأذن الداخلية

وتتكون من قسمين:

(أ) الحلزون:

وهو عبارة عن كيس غشائي يلتف حول نفسه مرتين ونصف. ومحاط بغلاف عظمي يشبه القوقعة. وداخل هذا الغلاف العظمي منقسم إلى قسمين بواسطة بروز يشبه الرف، وطبقة خفيفة من النسيج تدعى الغشاء القاعدي، وغشاء آخر يسمى غشاء (رايسنر). ويحتوي القسم الصغير على سائل يدعى باللمف الداخلي. والقسم الكبير يحتوي على سائل يعرف باللمف الخارجي، ومن قاعدة الرف يخرج العصب السمعي.

(ب) القنوات النصف الدائرية (هلالية)

وفائدتها حفظ توازن الجسم. ومن نهاية الأذن الداخلية يخرج عصب السمع الذي يخترق عظم الجمجمة، ويتصل بالقسم الأسفل من الدماغ.

إن الإعجاز الذي وضعه الخالق في الأذن بلغ النهاية. فإن عملية السمع منذ حدوث الصوت حتى انتقاله إلى الأذن الخارجية، ثم الوسطى، ثم الداخلية، ومنها إلى الدماغ تشمل عمليات معقدة. فالتموجات الصوتية بعد أن تدخل الصيوان تتجه إلى طبلة الأذن فتسبب فيها حركة ذبذبية تنتقل بواسطة عظام الأذن الثلاثة إلى الأذن الداخلية فبواسطة عظم الركابي تنتقل الاهتزازات الصوتية إلى اللمف الخارجي الذي يلاصق عظم الركابي، حيث ينقلها بدوره إلى اللمف الداخلي الذي يؤثر على نهايات العصب السمعي، فيسري فيه حث كهربائي ينتقل إلى الدماغ في منطقة معينة تميز الأصوات المختلفة)(74).

وغيرها مِن عجائب خلق الإنسان الكثيرة والتي لا زال العلم الحديث يكتشف شيئاً فشيئاً مِنها.

إشارة وتنبيه

ما ذكرناه في إشارة الآية إلى الآيات الآفاقيّة والأنفسيّة ليس على نحو التفسير للآية، والآية الكريمة قيل في تفسيرها الكثير مِن الوجوه، والذي ينبغي التعويل عليه هو ما ورد عن أهل بيت العصمة والطهارة "صلوات الله وسلامه عليهم" فلقد ورد - في عدّة روايات - تفسير الآيات الآفاقيّة بما يحدث مِن حوادث في الآفاق قُبيل خروج القائم مِن آل محمد "عجل الله فرجه

 وتفسير الآيات الأنفسيّة ما يحدث في الناس مِن المسخ قُبيل خروجه صلوات الله عليه وعجّل فرجه الشريف.

ومن تلك الروايات ما روي عن أبي بصير، عن أبي عبد الله " عليه السلام" قال: (سألته عن قول الله عز وجل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهمْ أَنَّهُ الْحقُّ...}(75) قال: يريهم في أنفسهم المسخ، ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم، فيرون قدرة الله عزّ وجل في أنفسهم وفي الآفاق، قلت له: {...حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهمْ أَنَّهُ الْحقُّ...} قال: خروج القائم هو الحق من عند الله عزّ وجل، يراه الخلق لا بدّ منه)(76).

وتمام الحديث في مقام آخر ليس هذا مكانه المناسب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وآله وعترته الطيبين الطاهرين المعصومين.


(70) سورة فصلت الآية (53).

(71) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج64 ص142.

(72) الصحيفة السجادية (ابطحي) للإمام زين العابدين × ص214.

(73) الكافي للشيخ الكليني ج1 ص85.

(74) كلمة للدكتور أكرم عبد الكريم من كتاب شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين "ع" ص133- 135.

(75) سورة فصلت من الآية (53).

(76) الكافي للشيخ الكليني ج8 ص381.
Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com