الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  
» سيرة الأئمة (ع)




أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر _ عليه السلام _


 هو خامس أئمّة أهل البيت الطاهر، المعروف بالباقر، وقد اشتهر به لبقره العلم وتفجيره له. قال ابن منظور في لسان العرب: لقّب به؛ لاَنّه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه وتوسّع فيه(1).
 
أقوال العلماء فيه _ عليه السلام _

 وقال ابن حجر: سمّي بذلك لاَنّه من بقر الاَرض؛ أي شقّها، وإثارة مخبّآتها، ومكامنها، فكذلك هو أظهر من مخبّآتها كنوز المعارف وحقائق الاَحكام، والحكم واللطائف ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة أو فاسد الطويّة والسريرة، ومن ثمّ قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه(2).
 وقال ابن كثير: أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وسمّي بالباقر لبقره العلوم، واستنباطه الحكم، كان ذاكراً خاشعاً صابراً، وكان من سلالة النبوّة، رفيع النسب، عالي الحسب، وكان عارفاً بالخطرات، كثير البكاء والعبرات، معرضاً عن الجدال والخصومات(3).
 وقال ابن خلّكان: أبو جعفر محمّد بن زين العابدين، الملقّب بالباقر، أحد الاَئمّة الاثني عشر في اعتقاد الاِماميّة، وهو والد جعفر الصادق. كان الباقر عالماً سيّداً كبيراً، وإنّما قيل له الباقر؛ لاَنّه تَبقَّر في العلم؛ أي توسّع، وفيه يقول الشاعر:
 يا باقر العلم لاَهل التُّقىوخير من لبّى على الاَجبُلِ(4) ولد بالمدينة غرّة رجب سنة 57هـ وقيل 56هـ، وتوفّي في السابع من ذي الحجّة سنة 114هـ، وعمره الشريف 57 سنة. عاش مع جدّه الحسين _ عليه السلام _ 4 سنين، ومع أبيه _ عليه السلام _ بعد جدّه _ عليه السلام _ 39 سنة، وكانت مدة إمامته _ عليه السلام _ 18 سنة(5).
 وأمّا النصوص الدالّة على إمامته من أبيه وأجداده والتي ذكرها المحدّثون والمحقّقون من علمائنا الاَعلام فهي مستفيضة نقلها الكليني ـ رضي الله عنه ـ وغيره.
 وقال ابن سعد: محمّد الباقر من الطبقة الثالثة من التابعين من المدينة، كان عالماً عابداً ثقة، وروى عنه الاَئمّة أبو حنيفة وغيره.
 قال أبو يوسف: قلت لاَبي حنيفة: لقيت محمّد بن علي الباقر؟ فقال: نعم وسألته يوماً فقلت له: أراد الله المعاصي؟ فقال: «أفيعصى قهراً»؟ قال أبو حنيفة: فما رأيت جواباً أفحم منه.
 وقال عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه مغلوب، ويعني الحكم بن عيينة، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه.
 وذكر المدائني عن جابر بن عبد الله: أنّه أتى أبا جعفر محمّد بن علي إلى الكتّاب وهو صغير فقال له: رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ يسلّم عليك، فقيل لجابر: وكيف هذا؟ فقال: كنت جالساً عند رسول الله والحسين في حجره وهو يداعبه فقال: «يا جابر يولد مولود اسمه عليّ إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده، ثمّ يولد له ولد، اسمه محمّد، فإن أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام».
 وذكر ابن الصبّاغ المالكي بعد نقل القصّة: أنّ النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ قال لجابر: «وإن لاقيته فاعلم أنّ بقاءك في الدنيا قليل» فلم يعش جابر بعد ذلك إلاّ ثلاثة أيّام. ثمّ قال: هذه منقبة من مناقبه باقية على ممر الاَيـّام، وفضيلة شهد له بها الخاصّ والعام(6).
 وقال المفيد: لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين8 في علم الدين والآثار والسنّة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر من أبي جعفر الباقر _ عليه السلام _ (7).
 وروى عنه معالم الدين بقيّة الصحابة ووجوه التابعين وفقهاء المسلمين، وسارت بذكر كلامه الاَخبار وأُنشدت في مدائحه الاَشعار...(8).
 قال ابن حجر: صفا قلبه، وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة(9).
 
مناظراته

 وأمّا مناظراته مع المخالفين فحدّث عنها ولا حرج، وقد جمعها العلاّمة الطبرسي في كتاب الاحتجاج(10).
 
قال الشيخ المفيد في الاِرشاد: وجاءت الاَخبار: أنّ نافع بن الاَزرق(11)جاء إلى محمّد بن عليّ، فجلس بين يديه يسأله عن مسائل الحلال والحرام. فقال له أبو جعفر في عرض كلامه: «قل لهذه المارقة، بم استحللتم فراق أمير المؤمنين، وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته والقربة إلى الله بنصرته؟ فسيقولون لك: إنّه حكَّم في دين الله، فقل لهم: قد حكَّم الله تعالى في شريعة نبيّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ رجلين من خلقه فقال: صفابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يُريدا إصلاحاً يوفّق الله بينهماش، وحكَّم رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ سعد بن معاذ في بني قريـظة فحكم فيهم بما أمضاه الله، أوما علمتم أنَّ أمير المؤمنين إنَّما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن ولا يتعدّياه، واشترط ردّ ما خالف القرآن في أحكام الرجال، وقال حين قالوا له: حكّمت على نفسك من حكم عليك؟ فقال: ما حكّمت مخلوقاً وإنّما حكّمت كتاب الله. فأين تجد المارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن، واشترط ردّ ما خالفه لولا ارتكابهم في بدعتهم البهتان»؟ فقال نافع بن الاَزرق: هذا والله كلام ما مرّ بسمعي قط، ولا خطر منّي ببال، وهو الحقّ إن شاء الله.
 ثمّ إنّ الشيعة الاِمامية أخذت كثيراً من الاَحكام الشرعية عنه وعن ولده البارّ جعفر الصادق _ عليه السلام _ وحسب الترتيب المتداول في الكتب الفقهيّة، حيث روي عنه _ عليه السلام _ الكثير من الروايات الفقهيّة التي تناولت مختلف جوانب الحياة، وللاطلاع على ذلك تراجع كتب الفقه وموسوعاته المختلفة.
 وأمّا ما روي عنه في الحِكَم والمواعظ، فقد نقلها أبو نعيم الاَصفهاني في حلية الاَولياء، والحسن بن شعبة الحرّاني في تحفه(12).
 
وقد توفّي الاِمام محمّد الباقر _ عليه السلام _ عام 114هـ، ودفن في البقيع إلى جنب قبر أبيه، ومن أراد البحث عن فصول حياته في شتّى المجالات فليراجع الموسوعات التي تحفل بها المكتبات العامّة والخاصّة.


(1) لسان العرب 4: 74.
(2) الصواعق المحرقة: 201.
(3) البداية والنهاية 9: 309.

(4) وفيات الاَعيان 4: 174.
(5) إعلام الورى بأعلام الهدى: 264 ـ265.

(6) ابن الجوزي، تذكرة الخواص: 302 ـ 303، الفصول المهمّة: 215 ـ 216.
(7) الارشاد: 262.
(8) الفصول المهمّة: 210 نقله عن إرشاد الشيخ المفيد: 261، فلاحظ.
(9) الصواعق المحرقة 301.
(10) الاحتجاج 2: 54 ـ 69.

(11) الارشاد: 265، ولعلّ المناظر هو عبد الله بن نافع بن الاَزرق؛ لاَنّ نافعاً قتل عام 65 من الهجرة وللاِمام عندئذ من العمر دون العشرة، وقد نقل ابن شهر آشوب بعض مناظرات الاِمام مع عبد الله بن نافع فلاحظ 4: 201.
(12) حلية الاَولياء 3: 180 ـ 235 وفي بعض ما نقل عنه تأمّل ونظر. والحسن بن عليّ بن شعبة في تحف العقول: 284 ـ 300.
Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com