الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  
» سيرة الأئمة (ع)





أبو محمّد الحسن بن علي العسكري _ عليه السلام _

 
 أبو محمّد الحسن بن علي الهادي بن محمّد الجواد، أحد أئمّة أهل البيت، والاِمام الحادي عشر، الملقب بالعسكري، ولد عام 232هـ(1)، وقال الخطيب في تاريخه(2) وابن الجوزي في تذكرته(3): أنّه ولد عام 231 هـ وأشخص والده إلى العراق سنة 236هـ وله من العمر أربع سنين وعدّة شهور، وقام بأمر الامامة والقيادة الروحية بعد شهادة والده، وقد اجتمعت فيه خصال الفضل، وبرز تقدّمه على كافة أهل العصر، واشتهر بكمال الفعل والعلم والزهد والشجاعة(4)، وقد روى عنه لفيف من الفقهاء والمحدّثين يربو عددهم على 150 شخصاً(5). وتوفّي عام 260هـ ودفن في داره التي دفن فيها أبوه بسامراء.
 وخلّف ابنه المنتظر لدولة الحق، وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت، وشدّة طلب السلطة، واجتهادها في البحث عن أمره، ولكنّه سبحانه حفظه من شرار أعدائه كما حفظ سائر أوليائه كإبراهيم الخليل وموسى الكليم، فقد خابت السلطة في طلبهما والاعتداء عليهما.
 وقد اشتهر الاِمام بالعسكري لاَنّه منسوب إلى عسكر، ويراد بها سرّ من رأى التي بناها المعتصم، وانتقل إليها بعسكره، حيث أشخص المتوكل أباه عليّاً إليها وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر فنُسب هو وولده إليها (6). قال سبط ابن الجوزي: كان عالماً ثقة روى الحديث عن أبيه عن جدّه ومن جملة مسانيده حديث في الخمر عزيز.
 ثمّ ذكر الحديث عن جدّه أبي الفرج الجوزيّ في كتابه المسمّى بـ «تحريم الخمر»، ثمّ ساق سند الحديث إلى الحسن العسكري وهو يسند الحديث إلى آبائه إلى علي بن أبي طالب وهو يقول: «أشهد بالله لقد سمعت محمّداً رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ يقول: أشهد بالله لقد سمعت جبرائيل يقول: أشهد بالله لقد سمعت ميكائيل يقول: أشهد بالله لقد سمعت إسرافيل يقول: أشهد بالله على اللوح المحفوظ أنّه قال: سمعت الله يقول: شارب الخمر كعابد الوثن»(7).
 ولقد وقع سبط ابن الجوزي في الاشتباه عندما توهّم أنّ اسناد الاِمام _ عليه السلام _ هذا الحديث إلى رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ مختص بهذا المورد، ولكن الحقيقة غير ذلك، فإنّ أحاديث أهل البيت مروية كلّها عن النبيّ الاَكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ، فهم لا يروون في مجال الفقه والتفسير والاَخلاق والدعاء إلاّ ما وصل إليهم عن النبيّ الاَكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ عن طريق آبائهم وأجدادهم، ومروياتهم لا تعبّر عن آرائهم الشخصية، فمن قال بذلك وتصوّر كونهم مجتهدين مستنبطين، فقد قاسهم بالآخرين مّمن يعتمدون على آرائهم الشخصية، وهو في قياسه خاطىء؛ منذ نعومة أظفارهم إلى أن لبّوا دعوة ربّهم لم يختلفوا إلى أندية الدروس، ولم يحضروا مجلس أحد من العلماء، ولا تعلّموا شيئاً من غير آبائهم، فما يذكرونه من علوم ورثوها من رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وراثة غيبية لا يعلم كنهها إلاّ الله سبحانه والراسخون في العلم.
وهذا الاِمام جعفر الصادق _ عليه السلام _ يبيّن هذا الاَمر بوضوح لا لبس فيه، حيث يقول: «إنّ حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ»(8).
 وروى حفص بن البختري، قال: قلت لاَبي عبدالله الصادق _ عليه السلام _ أسمع الحديث منك فلا أدري منك سماعه أو من أبيك، فقال: «ما سمعته منّي فاروه عن أبي، وما سمعته منّي فاروه عن رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _»(9).
 فأئمّة المسلمين على حد قول القائل:
 
ووال أُناساً نقلهم وحديثهم * روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري

 ولقد عاتب الاِمام الباقر _ عليه السلام _ سلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة حيث كانايأخذان الحديث منالناس ولايهتمان بأحاديث أهل البيت، فقال لهما: «شرّقا وغرّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ شيئاً خرج من عندنا أهلَ البيت».
 ورغم أنّ الخلفاء العباسيين قد وضعوا الاِمام تحت الاِقامة الجبرية وجعلوا عليه عيوناً وجواسيساً، ولكن روى عنه الحفّاظ والرواة أحديثاً جمّة في شتى المجالات، بل يروى أنّ الاِمام _ عليه السلام _ ورغم كلّ ذلك كان على اتّصال مستمر بالشيعة الذينكان عددهميقدر بعشرات الملايين، وحيثكانلامرجع لهم سوى الاِمام _ عليه السلام _.
 كما أنّ الكلام عن أخلاقه وأطواره، ومناقبه وفضائله، وكرمه وسخائه، وهيبته وعظمته، ومجابهته للخلفاء العباسيين بكل جرأة وعزّة وما نقل عنه من الحكم والمواعظ والآداب، يحتاج إلى تأليف مفرد وكفانا في ذلك علماؤنا الاَبرار، بيد أنّا نشير إلى لمحة من علومه.

1 ـ لقد شغلت الحروف المقطّعة بال المفسّرين فضربوا يميناً وشمالاً، وقد أنهى الرازي أقوالهم فيها فى أوائل تفسيره الكبير إلى قرابة عشرين قولاً، ولكن الاِمام _ عليه السلام _ عالج تلك المعضلة بأحسن الوجوه وأقربها للطبع، فقال: «كذبت قريش واليهود بالقرآن، وقالوا سحر مبين تقوّله، فقال الله: (الم * ذلِكَ الكتابُ ) أي: يا محمّد، هذا الكتاب الذي نزّلناه عليك هو الحروف المقطّعة اليي منها «ألف»، «لام»، «ميم» وهو بلغتكم وحروف هجائكم، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين، واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم، ثمّ بيّن أنّه لا يقدرون عليه بقوله: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الاِنْسُ وَالجِنُّ عَلى أنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذا القُرآنِ لا يَأتُونَ بِمِثْلِهِ ولَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبعْضٍ ظَهِيرا )(10)(11).
 وقد روي هذا المعنى عن أبيه الاِمام الهادي _ عليه السلام _(12).
 2 ـ كان أهل الشغب والجدل يلقون حبال الشك في طريق المسلمين فيقولون إنّكم تقولون في صلواتكم: (اهدنا الصِّراط المُستقيم ) أو لستم فيه ؟ فما معنى هذه الدعوة؟ أو أنّكم متنكّبون عنه فتدعون ليهديكم إليه؟ ففسّر الاِمام الآية قاطعاً لشغبهم فقال: «أدِم لناتوفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيّامنا حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمالنا».
 ثمّ فسّر الصراط بقوله: «الصراط المستقيم هو: صراطان: صراط في الدينا وصراط في الآخرة، أمّا الاَوّل فهو ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير، واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل، وأمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة الذي هو مستقيم، لا يعدلون عن الجنّة إلى النار ولا إلى غير النار سوى الجنّة»(13)،
 وكان قد استفحل أمر الغلاة في عصر الاِمام العسكري ونسبوا إلى الاَئمّة الهداة أُموراً هم عنها براء، ولاَجل ذلك يركّز الاِمام على أنّ الصراط المستقيم لكل مسلم هو التجنّب عن الغلو والتقصير.
 3 ـ ربّما تغتر الغافل بظاهر قوله سبحانه: (صِراطَ الَّذِينَ أْنعَمْتَ عَلَيهِم ) ويتصوّر أنّ المراد من النعمة هو المال والاَولاد وصحّة البدن، وإن كان كلّ هذا نعمة من الله، ولكنّ المراد من الآية بقرنية قوله: (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيْهِم ولا الضَّالِّين )(14) هو نعمة التوفيق والهداية، ولاَجل ذلك نرى أنّ الاِمام يفسّر هذا الاِنعام بقوله: «قولوا اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ: (وَمَنْ يُطِع اللهَ والرَّسُولَ فَأُولِئكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيَّينَ والصَّديقينَ والشُّهداءِ وَالصَّالِحِينَ وحَسُنَ أُولِئكَ رَفيقاً ) ثمّ قال: ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحّة البدن وإن كان كلّ هذا نعمة من الله ظاهرة»(15).
 4 ـ لقد تفشّت آنذاك فكرة عدم علمه سبحانه بالاَشياء قبل أن تخلق، تأثراً بتصورات بعض المدارس الفكرية الفلسفية الموروثة من اليونان، فسأله محمّد بن صالح عن قول الله: (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ )(16)فقال: «هل يمحو إلاّ ما كان وهل يثبت إلاّ مالم يكن»؟
 فقلت في نفسي: هذا خلاف ما يقوله هشام الفوطي: إنّه لا يعلم الشيء حتى يكون، فنظرإليَّ شزراً، وقال: «تعالى الله الجبّار العالم بالشيء قبل كونه، الخالق إذ لا مخلوق، والربّ إذ لا مربوب، والقادر قبل المقدور عليه»(17).
 

 


(1) الكليني الكافي 1: ص 503.
(2) الخطيب تاريخ بغداد 7: 366.
(3) ابن الجوزي تذكرة الخواص: ص 322.
(4) المفيد، الارشاد: ص 335.
(5) العطاردي، مسند الاِمام العسكري وقد جمع فيه كلّما روي عنه وأُسند إليه.

(6) ابن خلّكان، وفيات الاَعيان 2: 94.
(7) تذكرة الخواص: ص 324.

(8) الارشاد: ص 274.
(9) وسائل الشيعة ج 18، الباب الثامن من أبواب صفات القاضي، الحديث 86.

(10) الاِسراء: 88.
(11) الصدوق، معاني الاَخبار: ص 24، وللحديث ذيل فمن أراد فليرجع إلى الكتاب.
(12) الكليني: الكافي ج 1 كتاب العقل والجهل الحديث: ص 20، 24 ـ 25.

(13) الصدوق معاني الاَخبار: ص 33.
(14) الفاتحة: 7.
(15) المصدر نفسه: 36.
(16) الرعد: 39:
(17) المسعودي، اثبات الوصية: ص 241.
Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com